رؤية
رؤية
رؤية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رؤية

رؤية هى منتدى ثقافي يهتم بالفنون والادب والعلوم الإنسانية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصه قصيره بعنوان " صدأ " للكاتبه ⁦✍️⁩:هبة سعيد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 11
تاريخ التسجيل : 29/12/2017

قصه قصيره بعنوان " صدأ " للكاتبه ⁦✍️⁩:هبة سعيد   Empty
مُساهمةموضوع: قصه قصيره بعنوان " صدأ " للكاتبه ⁦✍️⁩:هبة سعيد    قصه قصيره بعنوان " صدأ " للكاتبه ⁦✍️⁩:هبة سعيد   Emptyالثلاثاء يوليو 17, 2018 7:36 pm

أفتح رئتيّ لذلك الهواء الغريب اللافح، فلا أتلقى منه سوى رائحة الخواء . . خرجت إلى تلك البرية هاربة مني، من نفسي التي أعرفها، لا أريد سوى لقاء نفسي التي لا أعرفها، أو لقاء ما يشبهني مما لست أعرف .
غريب أنني لا أشعر بعد بأي فارق بين أدغال الخرسانة التي هجرتها وذلك المدى المترامي أمامي لا أكاد أبصر نهايته !
تحررت من كل شيء يثقلني وأتيت إلى هنا، و مازلت أشعر بنفس الثقل..
ربما كان ما يثقلني هو أنا ! لو لم تكن لتلك الرحلة الصحراوية فائدة إلا هذا الاستنتاج لكنت راضية .
أنا من تشد وثاق نفسها إلى ثقيل المشاعر، و حتى تلك الشجرة العجيبة ذات اللونين التي تتلألأ أمامي في ضوء الشمس بباهر التحول بين الأخضر والذهبي، و في نور القمر و كأنها شجرة عيد الميلاد . . حتى تلك الشجرة العجيبة لا تحرك فيّ ساكنًا .
فإذا كففت عن تسلق الأشجار بنظراتي، و صوبت عيني نحو الأرض، وجدت الأرض التي أحسبها ساكنة تضطرم بالحياة . . و تحمل دوابها من ألوان الجبال و السماء و الأشجار من حولي . . أنا فقط الرمادية الدخيلة على تلك الجنة الأرضية !
و يبدو أنها لا ترحب بي كما كنت أتمنى، فواحدة من النملات العملاقة قررت الترحيب بي بطريقتها الخاصة فلدغتني بحقد !
إشارة ترحيب غريبة، أو ربما هي صرخة في وجه من لا يسمع كي يرحل و يعود من حيث جاء .
كدت أتلقى صيحة الاستهجان النملية تلك و أحمل حقيبتي التي لم تزل مغلقة على ما فيها و أرحل، لولا أن أخرجتني من حرج مشاعر الضيف الثقيل صيحة صديقتي صاحبة دعوة المجيئ، و دعتني لصحبتها في رحلة الصعود إلى جبل قريب .
أمرها عجيب ! لا أعلم لمَ قد يولع إنسان عاقل بتسلق الجبال ! . .
هذا أمر قد أقبله من الرجال . . هم من لديهم هذا الهوس بغوص غمار تلك المخاطر، ولكن ما شأني أنا أو شأنها بقمة جبل رأيته فهالني ارتفاعه !
سألتها كم سيستغرق صعوده من وقت
فقالت : ساعتان أو ثلاث على الأكثر .
ساعتان أو ثلاث ! هذا يعني _ بالنسبة لي _ خمس ساعات على الأقل ! و ربما أكثر، هذا إذا لم أتعثر و أهشم كل عظمة في جسدي أثناء الصعود .
تملكني غضب مديني لم يأتني منذ جئت إلى هنا، و صحت بصديقتي : الساعة الآن الخامسة مساءا ! هل تريدين مني تسلق الجبال ليلا ؟! هل جننتِ ؟!
ضحكت من غضبتي، و كادت تمزح، إلا أن ملامحي القلقة جعلتها تعدل عن هزلها و توافق على اقتراحي بتأجيل تسلق الجبل للصباح .
نحيت عصا التسلق المعدنية جانبا، وانهمكت معها في حديث طويل، انتهى بإعدادنا طعام العشاء ثم تناوله، ثم سألتني الخروج من غرفتنا المشتركة و الاختلاط مع بقية الناس في هذا المعسكر الجبلي . . و انبرت تقص عليّ قصص رواد المعسكر و تصفهم لي وتحذرني من بعضهم، حتى شعرت بأنني أعرفهم .
في النهاية وافقت على مضض، و خرجت معها .
خليط عجيب من البشر من جنسيات كثيرة . بعضهم باحث عن الهدوء أو هارب من شيء ما مثلي و بعضهم هاو لتسلق الجبال أو للمشي و اكتشاف الدروب و المسالك و بعضهم هادئ لا يفصح ظاهره عن باطنه و هولاء هم الأقدم هنا و الأدوم إقامة . . هذا ما تفعله الصحراء بالناس إذن !
تقدمت صديقتي من جمع منهم يلتف حول طاولة خشبية كبيرة، و بابتسامة قدمتني لهم و قدمتهم لي، فتعارفنا و جلست و صديقتي نسامرهم بلغتنا مرة و بالإنجليزية مرات، حتى تجاوزنا منتصف الليل، فاعتذرت صديقتي منهم و انصرفنا لحجرتنا كي ننام .
خرجت من المعسكر متأبطة ذراع صديقتي، نمشي بهدوء في ظلام يلوثه الضوء الهزيل القادم من مصباح أمام القاعة الكبيرة في منتصف المعسكر، و ننتنشق هواء الجبل فنشهق بنشوة .
كانت حجرتنا على بعد مائة متر على أطراف المعسكر، و كنا نمشي نحوها بتمهل . .
قلت لصديقتي : هيلين . . تلك العجوز الشمطاء .
_ ما لها ؟
_ إنها تكرهني !
_ تكرهك ! و لمَ تكرهك ؟ إنها لا تعرفك .
_ لا أدري . . و لكنها تنظر إليّ بتأفف، و تشيح بوجهها عني كلما تكلمت .
_ ااااااااااااااه
ثم أطلقت صديقتي ضحكة طويلة تحولت لقهقهة عالية، كادت تفقدها توازنها، لدرجة أنها استندت علي ساعدي كي لا يصرعها الضحك . . ثم قالت بصعوبة من بين ضحكاتها : انتظري قليلا حتى ندخل غرفتنا .
واصلت الضحك حتى وصلنا إلى الغرفة و دخلناها، و اتجهت مترنحة نحو فراشها، و صارت تلهث و تكافح من أجل الهواء، فقد أنهكها الضحك و قطع أنفاسها لدرجة أنها ذرفت الدموع . . كل هذا و أنا أراقبها بتحفز . . أرجو ألا يكون ضحكها سخرية مني، وإلا فسوف أحمل حقيبتي وأرحل في الصباح .
قرأت ما في عيني من ترقب فهدأت قليلا، و قالت و هي تتخير ألفاظها بعناية : هيلين لا تكرهك يا حبيبتي . . هي فقط كانت تجلس بجانبك تماما و أزعجها ارتفاع صوتك .
_ ارتفاع صوتي !!
_ نعم يا حبيبتي . . هذا من الأمور التي لم أشأ تنبيهكِ إليها . . قلت لنفسي يومان أو ثلاثة على الأكثر و سوف تلاحظين وحدك .
قلت لها بشرود : ألاحظ ماذا ؟
نهضت و اتجهت نحوي و امسكت يدي برفق تقتادني للخارج و هي تقول : هيا . . سوف أريكِ .
خرجنا من الغرفة، و تقدمنا أمامها أمتار قليلات ثم توقفت صديقتي و أخذت تقلب وجهها ذات اليمين ناحية الجبل الذي نزمع تسلقه غدا، و ذات اليسار حيث الدرب القصير المنحدر المطل على الوادي الفسيح تحت المعسكر . . ثم أشارت لنقطة في قلب الظلام، و قالت : انظري .
نظرت فلم أر أي شيء ! وكدت أعنفها، فضغطت على يدي برفق، و قالت : هناك . . بين الشجرة الكبيرة و الصخرة التي تشبه التفاحة . . انظري جيدا .
نظرت بتمعن . . ثم هتفت بصديقتي و أنا أشير بيدي نحو الشجرة : نعم نعم . . هناك ضوء خافت . . يومض ثم يختفي .
_ هل ترينه الآن ؟
_ لا . . لقد اختفى ! . . ما هذا ؟
_ فلندخل الحجرة اولا و بعدها نتكلم .
عدنا للحجرة و الفضول يكاد يقتلني . . ثم انتبهت، و تذكرت هيلين و ضحك صديقتي و قولها أن هيلين يزعجها صوتي . . ما علاقة كل هذا بالضوء الوامض تحت سفح الجبل ؟!
أشفقت صديقتي على حيرتي فقالت بحنان : الضوء الوامض المختفي هذا يا حبيبتي هو عود ثقاب . . هل تعلمين كم يبعد عنا ؟ حوالي ثلاثة كيلومترات . . أنتِ هنا الآن . . في الصحراء و الجبال . . تخلصي من تبلد حواسكِ و جمودكِ هذا . . هل فهمتِ ؟
_ نعم . . فهمت .
و دون كلمة أخرى استبدلت بثيابي ثياب النوم، و آويت للفراش أحدق في سقف الغرفة المظلمة .
مازالت تلك البيئة تلفظني و تأبى الكشف عن نفسها لي . . أرهف السمع فتقرع مسامعي في الظلام أنفاس صديقتي، هادئا منتظما . . أتجاهله فأسمع حفيف أوراق الشجر أمام الغرفة و دبيب الحشرات على سقف الحجرة الخشبي و صفير الرياح الصيفية الرقيقة .
الأصوات متمايزة و واضحة إلى حد مذهل ! كيف لم أنتبه لها من قبل ؟
كل صوت هنا له دوي كالرصاصة، و كل ضوء له وميض كالبرق .
لو مكثت هنا وقت كاف، ربما أزيل عن روحي أثقالها كما بدأت في إزالة صدأ حواسي و تبلد ذهني .
ربما لو ألقيت السمع أسمع صوتي الذي غاب وسط ما تركت من الصخب والضجيج .
لم أعد معجبة بهدوء الصحراء مثلما كنت منذ ثلاثة أيام . . لم يكن هناك هدوء . . كنت أنا التي لا تسمع .

_ هبة سعيد _
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://roya.gid3an.com
 
قصه قصيره بعنوان " صدأ " للكاتبه ⁦✍️⁩:هبة سعيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رؤية :: الاداب :: القصة القصيرة-
انتقل الى: