يداعب الموج الصخور ليصدر صوت كانغام الموسيقى .. موسيقى كلاسيكية تراقص أشعة الشمس لتتساقط على عينيها العسليتين .. عينان تبدوان كلؤلؤتان استقرتا فى محجريهما وأقسمتا الا تغادرانهما أبدا مهما طال الزمان . جميلة هى .. بل هى فينوس اله الجمال عنده . إنها لوحة جميلة أبدع الفنان فى رسمها .
فى المطعم الفاخر فى الجهة المقابلة من شاطئ البحر .. جلس يتأملها .. لا يريد ان يتكلم معها ، فقط .. ينظر إلى إبداع الخالق و يطلق لخياله العنان .
وتكلمت .. هل يحق للوحة الجميلة ان تتكلم ! هل يبدع الفنان فى لوحة لتتكلم ! إن الفنان يريد ان يسمعه الناس من خلال إحساسه بلوحاته ، لو كان يريد الكلام لما أبدع فى لوحاته.
تكلمت .. اختفتا لؤلؤتيها بالرغم من وعدهما له ألا تختفيا .
تكلمت .. وقطبت حاجبيها .. ذمت شفتيها .. اختفى الابداع .
حدثته فى معدن يضم اصابعها يقال انه معدن نفيس .. الا تعلم ان أصابعها عنده أغلى !
حدثته عن أساور تعتصر معصمها .. الا تعلم ان معصمها حر لا تناله أي أساور !
حدثته عن قلادة تكاد تخنق جيدها .. الا تعلم ان الغالى لا يقرب الرخيص !
كيف لها ان تتكلم فى ماهو رخيص وهى عنده أغلى ! نظر إليها متعجبا .. اختفى جمالها و توارى سحرها .
نظر خلفها حيث كان زجاج النافذة يركع لجمالها . فلتركع أيها الزجاج فأنت لم تفهم حديثها . كان صوت الموج يمازحه و تخلل عبره صوت ضحكات أطفال بريئة ، نظر عبر النافذة الساجدة لجمالها إلى شاطىء البحر المقابل حيث صوت الضحكات البريئة ليجد أطفال يلعبون ويضحكون ووجد بينهم رجل سمين بسيط الهيئة يرميهم بالامواج الراقصة . خلع بنطاله الرديء ليصبح بسرواله الداخلي . تعالت صيحات الأطفال فرحا بابيهم ولسان حالهم يقول أقبل أيها السمين . وتجلس هى على الرمال الحارقة بهيئة بسيطة تضحك من قلبها . تهتز تجاعيد وجهها وتمسح طرحتها السوداء دموعها التى تتساقط من كثرة ضحكها .
نظر إليهم وعيناه تنادى اقبلى أيتها السعادة الغائبة ! كيف لك ان تتركي محراب الجمال وتذهبي إلى الرمال ؟!
نظر إلى لوحته المشوهة ، إنها مازالت تتحدث عن الرخيص وهى لا تعلم أنها أصبحت من الرخيص . افاقه من شروده أنغام الموسيقى المختلطة بصياح الأطفال الذى علا وارتفع بخروج صحن كبير من شنطة بالية تحتضنها الأم وكأنها تحتضن أحد أطفالها خوفا من فقدانها . تجمع السمين بسرواله الداخلى وكرشه المتدلى مع أولاده و حبيبته .. نعم هى حبيبته فهى لم تساومه على جمالها . بدأت الوليمة السعيدة بصحن كبير به من فتات الطعام مالم تألفه عيناه ولم تشتهيه نفسه .
افاقه من شروده صوت قرع الصحون والكؤوس ومالذ وما طاب من طيب الطعام على المائدة . مائدة عامرة بها من خيرات الدنيا ما يجعلها شبيهه لمائدة هبطت من السماء . فلتحضرى أيتها السعادة ..كيف لك الا تحضري فى وجود تلك اللوحة و تلك المائدة ! اتفضلين تلك الحقيبة البالية عن تلك المائدة العامرة ؟! تبا لك أيتها السعادة المتمردة . نظر إليها وجدها متأففة لم تجد كأس العصير الذى يخصها . أدار بصره نحو السمين و حبيبته وجدهما من الضحك يكادا ان يفطسا .
تبا لك أيتها الجميلة المتمردة .. تبا لك أيتها السعادة الهاربة ..تبا لك أيها السمين كيف لك ان تبدو سعيد وانت فى عينيه تعيس .
أزاح طعام الجنة و صفع جميلته القبيحة و غادر مطعمه الفاخر وتخطى سيارته الفارهة متجها إلى الرمال الحارقة وجثا بركبتيه نحو السمين متسائلا فيما سعادتك وانت فى عينى تعيسا . أجابه السمين وهو يشير إلى قطعة خبز جافة متجهة طوعا إلى فمه ان السعادة فى هذة. . السعادة فى بعض اللقيمات التى تداعب الجوع وتجعله ساكن لا يشتكى .. السعادة فى وجود الأحباب مجتمعين وبشكر ربهم هم لا يغفلون .
راندا جاد